قرية حنور تحت المجهر

قرية حنور تحت المجهر
بقلم / سالم بجود باراس
ما أن تسمع بهذه القرية حتى يتبادر إلى ذهنك أسطورة القرية المخفية في بطن الوادي ..حنور إحدى قرى أرياف المكلا يقطنها قبيلة “السموح “من قبيلة آل سيبان.
بدأت الرحلة من دوعن التي تبعد عنها حوالي 80كم جنوبا ، كانت منذ رحلتنا نمر على طريق وعرة وقاسية فتارة نهبط وتارة نرتفع من شدة االصخور والأحجار التي نرتطم بها ..
وصلنا عقبة حنور ولأول مرة في حياتي أشاهد تلك القرية المخفية في بطن الوادي ..كانت العقبة أشبه بأرجوحة مخيفة ومغامرة رهيبة ولكن كانت المغامرة تستحق ذلك .
أستقبلنا أهل قرية حنور بكل ترحاب وقاموا بحق الضيافة والكرم ..وهي عادة أصيلة في قبائل نوح وسيبان وكل قبائل العرب عامة.
يبلغ سكان هذه القرية 500 نسمة مع القرى التابعة لها في عمق الوادي ، بيوتهم من المدر ومادة ” القرف” بكسر القاف وفتح الراء وهي أحجار جيرية تستخرج من الهضاب تجلب من مناطق قريبة من قرية حنور ..
اشتهرت هذه القرية بإسم عاصمة “السموح” لأنها كانت قديما المركز الرسمي لهم في كل شؤون حياتهم .
عدد البيوت فيها قليلة جدا مقابل شهرتها بين قبائل نوح وسيبان فقد اشتهرت بإنتاجها للدبا ” اليقطين ” وتعتبر “دبا ” حنور بضم الدال وفتح الباء مع التشديد من أشهر أنواع اليقطين وتغطي بهذا المحصول كل مناطق حضرموت وصولا لعاصمة المهرة ” الغيظة ” وإلى جانب زراعتهم لليقطين يزرعون أشجار الليمون والثوم والحنطة والبر وأشجار المانجو وغيرها، وكل محاصيلهم ذات جودة عالية وذوق طبيعي لا يستخدمون أي مواد كيميائية أبدا ..
وهذا ما جعل خضرواتهم ومحاصيلهم يكون لها شهرة كبيرة رغم قلة الإمكانيات وظروف حياتهم المعيشية.
يوجد بها عيون جارية على مدار السنة ، وأجمل مافيها تلك المناظر الجميلة والخضرة الدائمة فمائها كأنه ماء الكوثر في صفائه ومذاقه..
سرت بين سواقيه التي تعجبت من عقول أجدادهم الأوائل فقد صمموا قنوات طبيعية تسقي مئات الفدانات الزراعية، لكل دار من آل السموح في ذلك الوادي بشكل دائم ، وبطريقة هندسية رائعة، قنوات موزعة عن اليمين والشمال ، دقة في توزيع الماء ، وهندسة تدل على دهاء وذكاء الأجداد الأوائل وقوة صمودهم…
كان يبعد منبع الماء عن القرية قرابة 3 كيلومترا ويتم سحب الماء عن طريق مواسير تمتد عبر الوادي وحتى البيوت عبر مضخات تبرع بها أهل الخير .
مما آلمني وحز في نفسي تلك المدرسة التي تم إنشاؤها عام 1967م مدرسة “الشهيد مسعود بحنور” ومنذ ذلك العام ولم يتخرج منها مدرس واحد فكل معلموها من خارج القرية .
والعجيب أن هذه هي أول دفعة للصف التاسع تصل إليه هذه المدرسة لسنة 2017م.
أما البنت فحدث ولا حرج فبالكاد تصل للصف الخامس الإبتدائي ثم تلتزم البيت والسبب نقص المعلمين حسب ما قيل لي من مجلس الآباء وآهالي أهل القرية.
ولحسن حظي حضرت طلاب الصف التاسع ولأول مرة في تاريخ حنور كانوا في اختبارات نهاية الفصل الأول رأيت طلاب يتصف بالذكاء الفطري وسرعة البديهية ولكن ينقصهم التشجيع وشحن طاقاتهم ..
وعند نبع الماء عند حجرة كبيرة تتوسط الوادي تجمع طلاب كثر، فألقيت محاضرة مؤثرة كادت تسيل منها الدموع ..كيف بهذه القرية وهي من أقدم المدارس بحضرموت الساحل لا يتخرج منها معلمون منذ إنشائها عام 1967م ؟!!!
ولقد عاهدتهم وعاهدوني أن يصبح منهم – ومن هذه الدفعة – معلمون ومهندسون وأطباء لقريتهم وتاج رؤوسهم قرية حنور ..
ولقد وعدت كبار آهلي قرية حنور أن أكتب عنهم وعن معاناتهم المعيشية ..فهم يعيشون في ظلام دامس بلا كهرباء ، وكلهم أمل أن تجود عليهم آيادي أهل الخير بطاقة شمسية لمدرستهم ، التي بنيت في التسعينات ، بدلا من تلك التى أكل وشرب عليها الزمن ..
ومسجدهم الذي بني جديدا من أهل الخير ، ولكن سقفه يحتاج ترميم وتبلغ مساحة المسجد 20 متر × 14 متر لتصليح سقفه فقط من هطول الأمطار. فمحصولهم بالكاد يسد رمقهم ومعيشة أطفالهم ..
رأيتهم يقومون بمبادرة عامة لتصليح جابية ” خزان تجمع الماء” للمحصول الزراعي في حال تعرض لجرف بعض الفدانات من جرى السيول الموسمية.
وبعد يومين من وجودنا هناك ودعنا أهل قرية حنور وانطلقت سيارتنا تمخر تلك العقبة وتنفسنا الصعداء لصعوبة ووعورة هذه العقبة وخطورتها فلو تجد من الدولة أو أهل الخير من يسفلتها، لكان لأهل هذه القرية فرحا وسرورا ، ولن ينسى هذا الصنيع لفاعلها.