أسرار القوة

وخلق الإنسان ضعيفا، لكن هناك نفوس قوية برغم ضعفها البشري، لديها مصدر للقوة،
يجعلها تصمد رغم ضعفها البشري أمام أعظم التحديات، إنها نفوس المؤمنين بالله،
الواثقون بأنه معهم يسددهم، وينور طريقهم، فهؤلاء النوعيات من البشر، هم
بمثابة النجوم المتلألئةِ في الظلام، يُشِّعُونَ أملاً في حياة الناس، مهما
كانت الحياة صعبة ومليئة بالتحديات.
فيا ترى ما الذي يجعلهم أقوياء لهذا الدرجة؟ برغم أنهم كغيرهم من البشر يحزنون
ويفشلون أحياناً، لكنهم يخرجون بعد كل شدة بنفوس أكثر إيماناً وقوة، لأن
الضربات التي لا تكسر الظهر تقويه، ولأنهم ينظرون إلى المحن والشدائد أنها منح
ربانية، فيها نعمٌ لا تعد ولا تحصى، كيف لا والذي قدرها رحيمٌ حكيمٌ عليمٌ بما
يحتاجه عباده، فتجدهم يبتسمون في أوقات يبكي فيها الجميع، ليس لأنهم لا
يتألمون، بل لأنهم يذوقون حلاوة الأمل في الأوقات العصيبة، فترى من حولهم يقف
في ذهول، أي بشر هؤلاء؟! الذين يزيد لمعانهم كلما زادت الظروف سوءاً، تجدهم
متقبلين واقعهم، ولكنهم غير مستسلمين له، يبذلون قصار جهدهم لتغييره، ولا
تحزنهم النتائج مهما كانت، فهم يستشعرون الأجر بقدر الجهد الذي يبذلونه، مع
استنفاذ الأسباب، والإستفادة من الأخطاء والنتائج.
لعلَّ السر في تلك القوة لم يظهر في ما قلناه، لذا أردد وأقول: لماذا هم في
حماسة برغم وجود العراقيل الكافية لإحباطهم؟ لماذا هذا الثبات والرسوخ؟ ومن
أين تأتي كل هذه الثقة في نفوسهم؟
إنها ثمرة عمل أجره عند الله، يجعل من العمل البسيط عظيماً، إنه الإخلاص لله
تعالى، فهذا السر وراءَ قوة الأقوياء من البشر، فمن صدق مع الله صدقه الله،
ولن يخيبه أبداً، ومن أسرار قوة الأقوياء، أنهم يعتبرون تجاربهم الفاشلة مجرد
محطات، يتزودوا منها بالدروس والعبر، ويجعلوا منها نقطة إنطلاقة، فإن بدأ
تراجعهم للناس يوماً، إلا أنهم كالسهم، يتراجع للخلف، لينطلق بقوة أكثر نحو
الهدف، نعم.. هكذا هم الأقوياء، تُصْنَعُ قوتهم في أوقات الضعف، وتتضاعف كلما
مروا بلحظات ضعف، لأنهم يعيشون مستلهمين القوة من الله القوي، الذي يصبح معه
الضعيف قوياً.