القات والغش عملة ذات وجهين

اخبار دوعن / بقلم : سالم بجود باراس
عندما يختل توازن أي بلد ، تنهار كل أخلاقياته ومبادئه والقيم التي يؤمن بها
ويكافح وينافح عنها ، إن لم يكن إيماننا وإسلامنا وديننا نراه واقعاً ملموساً
يمشي على الأرض وليس خطب رنانة في المنابر وحلقات الذكر ، فهنا لابد أن نراجع
حساباتنا في كل شؤون حياتنا .
في هذا المقال سنعرج على وباء مدمر لكل أخلاقيات المسلم بل للمجتمع الحضرمي
بشكل خاص ألا وهو تعاطي شجرة القات ، هذه الشجرة التي دمرت الحرث والنسل وهي
أشد فتكاً وخراباً من الخمر والمخدرات ، وهي مغناطيس كل المصائب والمحن
والتخلف الذي نعيشه اليوم ، وهي أشد وأنكأ من أي إحتلال عرفه الشعب الحضرمي في
حضرموت منذ عام 90م وإلى يومنا هذا .
إن مايحز في النفس ويدميها خمول وعجز، وكأنه متعمد من علماء الدين وأهل
الحكمة والشأن ، وإن وجدت إدانة أو خطبة عابرة يقولها كالمستحي ثم تتلاشى
وتتبخر ، مثلها مثل ملايين الخطب التي لا تجدي نفعاً ولا نرى ثمارها في حياتنا
اليومية والسبب الجوهري هو خطب جوفاء لا روح فيها ولا حركة في الواقع ، سأذكر
دليلاً واحداً لشخص واحد وهو أردوغان عندما ذكر إنجازاته أثناء حكمه ذكر منها
منعه للدقيق الأبيض من دخول تركيا ، ونحن مئات الآلاف من منظمات وعلماء
ومصلحين ومثقفين وأحزاب وهلم جرا لم نستطع القضاء على منع شجرة القات من
دخولها لحضرموت ، وضع حول هذا السؤال ألف تعجب واستفهام ؟!!!!
مالذي جنته هذه الشجرة عندما احتلت حضرموت ؟!!
صنعت مالم يصنعه أكبر محتل في التاريخ ، دمرت المجتمع بشكل شبه كامل وتركته
جثة هامدة سرت من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع ، كفتنة الدهماء دمرت الحرث
والنسل وفسدت الأخلاق وانتشرت المخدرات والجريمة والسرقة والرشوة وبيع وشراء
الذمم ، خلست الدين من قلوب متعاطيها – وهم بعشرات الآلاف – كما تخلس الديم من
الشاة المذبوحة ، غزت المدارس والجامعات وما خفي كان أعظم .
جاءني يبكي ودموعه تخضب لحيته البيضاء وقال : القات هلك ابني وسرق فلذة كبدي
كان من خيرة الناس وهاهو اليوم كالمجنون يسرق أباه وزوجته لكي يلجم فاه بحزمة
قات ، هذا القات أشد فتكاً من إحتلال بريطانيا لنا فهل من حل ؟!!
ربتُ على كتفه وقلت له : الحل أن ترحل من هذا البلد فطوفان نوح قد نفد .
جفت أقلام المصلحين وبحت أصواتهم ولكن لا حياة لمن تنادي حتى قال أحدهم : (
والله نتمنى إسرائيل تحكمنا ولا هذا الحال لا قضاء لا تعليم لا خدمات كل شئ
سلب منا حتى الهواء الذي نتنفسه محسوب علينا وعلينا أن ندفع إيجاره…).
هناك قصص شيب من ذكرها الولدان في مصائب هذه الشجرة لو كتبنا ألف مجلد لن نحيط
بها علماً لكثرتها ولكن نذكر منها ماهو معلوم ومعروف للجميع منها على سبيل
المثال لا الحصر :
في إحدى القرى اضطرت النساء أن تثقب جدران بيوتها لتخبئة ذهبهن عن أزواجهن
المتعاطين لهذه المصيبة التي احتلت العقول والجيوب.
الكثير من متعاطيها باع الغالي والنفيس من ممتلكاته وآثاث بيته إلى جانب راتبه
وقوت أولاده لدرجة يحكي لي شخص ثقة يقول : أحد أصدقائي باع سقف بيته لصاحب
القات ( عيدان وكنتر ) .
المخزي معلمو المدارس يسمع سيارة القات بالخارج وهو في حصة ، فينطلق كالمجنون
ليشتري قاته أمام مرأى ومسمع طلابه حاميها حراميها ، ومن هنا سنعرج للشق
الثاني في مقالنا وهو ظاهرة الغش في المدارس .
لا أستطيع فصلها عن القات ولا عن الرشاوي ولا كل مصائب حضرموت من تدني أخلاقي
وتربوي وسياسي واقتصادي وهلم جرا ، هو سببها الرئيسي هذه الشجرة والتي أعتبرها
أم الخبائث ورأس الفساد في اليمن قاطبة.
يحكي لي متقاعد زمن الحزب الإشتراكي اليمني يقول : رغم مساوي الحزب الا أنه
أفضل بمليون مرة من هذا النظام الحالي الفاسد في كل جوانب الحياة ، الحزب
الاشتراكي فيه الأمن والأمان والنظام والقضاء والتعليم المجاني والمحاسبة
وإحترام الإنسان ، وفي الوقت الحاضر سلب منا كل شئ لا أمن ولا نظام ولا قانون
وحاميها حراميها ..كنت مدير مدرسة أضع الاختبار للطلاب وأخرج لمكتبي لا يستطيع
أحدهم يغش حرف واحد وهذا معلوم للجميع ، اليوم بمكبرات الصوت ويتم كشف
الاختبارات قبل موعدها ولا حساب ولا عقاب فكيف سيتخرج طلابنا في ظل هذا الوضع
بالله عليك ؟!!
ونختم مقالنا بعد آراء وقصص من الواقع وعلى لسان أصحابها نقول: ربما في كلامهم
شئ من المعقول ولكن السؤال المهم لماذا يظل الواقع كما هو ولسنوات طوال هل
التغيير بيد أهل حضرموت أم بيد غيرهم هل تم تخدير الشعب قاطبة فلا يستطيع
الفكاك من هذه الشجرة الملعونة هل يجيد علمائنا التشدد والتنطع في نواقض
الوضوء وشحن القلوب بالفتاوي التكفيرية وهم عاجزين كل العجز في إخراج هذه
الشجرة من حضرموت بل تم تكميم أفواههم بقصد أو بغير قصد ؟!!
هذا أحدهم يطرح هذه التفسيرات وعلامات الاستفهام وربما هو رأي معظم كل الناس
في حضرموت للعلماء والمثقفين وكل من له سلطة في هذا الموضوع ولكن في الأخير
متأكد وبشكل جازم بأننا أتفقنا على ألا نتفق كما هي عادتنا منذ عام 1990م وإلى
يومنا هذا ؟!!!