الشاعر المخضرم سالم سعيد باصرة في سطور

اخبار دوعن / بقلم : سالم بجود باراس
سنقف لحظات عابرة ونقتطف الزهور والفل والكادي ، ونبحر في بحر عميق ، لن ولن
نستطيع الوصول إلى لآلئ وجواهر شعره ، ولكن تعريف بعلم من أعلام الشعر الشعبي
، وشاعر الغزل والحب والإنسانية ، الشاعر الذي بلغ شعره دول الخليج قبل وطنه
وتغنى به الصغير قبل الكبير ، لجمال معانيه وسحر كلماته ،
الشاعر سالم سعيد باصره من مواليد دوعن – حضرموت 1967م متزوج وله ولدين وأربع
بنات ، لم يكمل تعليمه رغم أنه كان من الأوائل في مدرسته نتيجة ظروف معيشية
خاصة ، درس حتى صف ثالث متوسط ، ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية وذلك
عام 1984م وإلى هذه اللحظة لسنة 2017م ..
إن لشعره لعذوبة وسلاسة وجمال عجيب ، يطرب الآذان ويشرح القلب والخاطر ، تعيش
في عالم آخر وأنت تستمع لتلك الأبيات التي ذاع صيتها في دول الخليج ، ومسقط
رأسه دوعن ، وحضرموت ، وذلك عندما سجلها في شريط كاسيت عام 1961م كلمات تأخذك
إلى ملكوت الفضاء فتسبح في عالم ملئ بالجمال وذاك الصوت الشجيء ، يخيل إليك
أنك تستمع لأغنية أم كلثوم ( وضحكنا ضحك طفلين معا …) صوت ساحر خرج من القلب
إلى القلب لكل محبيه ..
نقتطف لآلئ من بحر أشعاره ومن تلك الجواهر التي ستظل نبراسا للجمال والحب
والعشق يقول :
سلام على وديان ومطارح لها رأسي يحن **
والقلب مبعد قل محذوره وعطفه والحنان **
وأشجار جبلية لها بنات كما العنبر تبن **
شئ من قرض قد خلقت و شئ شاحط وبان**
تركتها مغصوب يوم ظهروا بديل الإنس جن **
فيها ولو تميت أشياء باتجنن بي جنان **
غيبت يا زاهر مضيء وتركتني لوحدي لمن **
في وسط بحر الخوف ما وصلتني بر الأمان &
عندما يشدو الشاعر الكبير أبو بكر سالم بلفقيه من أرض المهجر ويقول ( إن سافرت
سافرت مغصوب …) فشاعرنا يعاني نفس آلام المهجر والغربة وبعد الأحباب ، يتذكر
تلك الأماكن التي يحن قلبه إليها في دوعن الغالية ، يتذكر رائحة وعبق الأشجار
التي شبهها برائحة العنبر فمنه يصنع أغلى العطور وأجملها …
ثم يبرر هذه الهجرة لأسباب خاصة فعندما يظهر أهل الفتن والحساد ، يرحل الجسد
ويبقى القلب لمن أحبهم ، كأفئدة الطير معلق بأحبابه وأعز ناسه ..
لا زال شاعرنا يحلق بجناحيه في وطنه ، رغم بعد المسافات ، ويتذكر العشق العذري
وكيف تغيرت القلوب وتناساه المحب فيشدو قائلا :
ذا كيف لا المبعد تقرب * وأصبح مسير اليوم ساعة*
مابين تونس والجزائر بلقي طرق ومواصلات
قلبي من الدنيا مقنع *
والعشق قد غير طباعه*
والجسم به ستين ناخر جاءته من جميع الجهات
خذها نصيحة من مجرب *
رجع فؤادك من ضياعه *
ما شئ بقي لأهل المقابر إلا خلاف الذكريات
هنا في هذا الحيز ، نقتطف من كل بستان زهرة ، من حديقة مليئة بكل أنواع الجمال
الساحر ، الذي يخطف القلوب والأبصار ، هنا ستجد ورودا وأزهارا ورياحين ، هنا
الفل والكادي ، هنا أجمل ما قيل في الغزل الشعبي ، ليس مجاملة أو نفاقا ، أو
زخرفة لوحة بأجمل المديح والإطرأ ، ولكن إليك الدليل والبرهان والنجم الساطع
حيث يقول :
نا ذي درست العشق وعرفت معناه *
من عادني جاهل بناره كواني*
ذقت السعادة فيه
والمعاناة*
وسبح خيالي في بحور الأماني *
حبيت وتعلقت في زين
محلاه *
ماله مشابه ع التراب
اليماني *
أهيف بديع الحسن له قلب
مقساه*
كل ما قتلني في المحبة حياني*
ظلي سعيد البال في يوم لقياه*
وإن غاب عني ضيق في الحال جاءني *
لو غبت مهما غبت ما ظن أنساه *
محسوب لي حاضر وماضي زماني *
كلمات سطرها شاعرنا بماء الذهب ، قمة في الحب والوفاء ، والعشق الصادق ، وإليك
أيها القارئ هذه الكلمات التي تؤكد ذلك العشق ، وذلك الغزل الجميل فيقول :
يا إسم فضلتك على الخاص والعام *
لك ود في قلبي ومحذور زائد*
لأجلك قضيت أسنين في عشق وهيام*
وهجرت ربعي وأخترقت العوائد*
عندي حروبك تعتبر صلح وسلام *
وتعبك راحة والخسارة فوائد*
وأنت الهوى عندك أماني وأحلام *
وكل ما مضى يعتبر عهد بائد*
كلمات تحتاج لشرحها وبيان جمالها ومعانيها ، إلى صفحات ، ولكن نشير إلى بحر
غزير ، وجواهر نفخر بها في تراثنا الشعبي الأصيل ، إننا ننفض التراب عن كنوز
نمتلكها ، ولم نسجل منها إلا النزر اليسير ، وقد كتبنا عن معظم شعراء الشعر
الشعبي ، ومنهم شاعرنا هذا في كتابنا الموسوم ( المقدم الشاعر سعيد بن سالم
بانهيم المرشدي وشعراء آخرون. مع عادات وتقاليد من سيبان) الذي طبع في عام
2016م .
هنا يختلط عصر ليلى وقيس ، وعنتر وعبلى ، بعصر شاعر أخفى معشوقته في نون عينه
، فلا أذنت سمعت ، ولا عين رأت ، فقد مات الخبر وبقي الأثر ..
في قصيدة طويلة قيلت عام 1991م بجدة المملكة العربية السعودية ، نقتطع آخر
بيتين منها ، لنرى جمال معانيه وقمة عشقه فيقول :
من شطون الولف كم من قلب يردف عا ونينه*
والمحبة سم قاطع والهوى جنة ونار *
يا حرير الهند ذي ملك في الأسواق عينة*
ما قدر شوفك تمليك الزواخي والغبار &
رسم صورة تختصر المسافات وتظهر ما في الوجدان من عشق وحب ، يصعب على الإنسان
العادي وصفه ، ببضع أحرف تتراقص الكلمات ، فيشدو طائر البلبل بأجمل ألحانه
ومعانيه ، فما في القلوب والوجدان ، ولوعة الحب والهيام ، يشعر به من ذاق
وعاش ذلك العشق واكتوى بناره وبعد الفراق .