وداعا شاعر الكلمة ورجل المواقف …سعيدالقثمي

أخبار دوعن /كتب :أحمد سالم القثمي
لايترك الإنسان في هذه الدنيا بعد رحيله الا الأثر الطيب والمواقف التي تظل
عالقة في الاذهان، فمجرد رحيلك تنتهي قصتك من الواقع ويبقى ماتركته يتبادله
ممن عاشوا معك وبين الحين والآخر يدعو لك وكلما مر من مكان ما استعادة ذاكرته
تلك القصص والروايات رحم الله فلان، وفي المواقف هناك رجل برجل ورجل بمائة رجل
ورجل بالف رجل هذه المعادلة او المقارنة قل لا تجدها اليوم في زمن اصبح فيه كل
شي على غير العادة وكل من عمل معروفا بسيطاً اقام الدنيا واسمع الانس والجن .
فاجعة حلت علينا برحيل رجل لن نجد مثله قط وخبر نزل علينا كالصاعقة ؛ ولكن امر
الله يجري
كيف يشأ ، انه شاعرنا الكبير المخضرم المقدم / سعيد عمر القثمي بوجنيه الذي
غادر دنيانا الفانية بعد صراع مع المرض في ارض الكنانة مصر وبرحيله سقط ركن من
اركان قبيلة القثم وسمع صوته الجميع ، وفقد الشعر الشعبي رمزا وقنديلاً كان
يضيء عتمته ، تغنى بكل الوانه من مدح وذم وهجاء وغيره فهو لايشق له غبار
ولايستطيع أحد أن يقف امامه او مجاراته ومن وقع في ذلك رجع بخفي حنين وعلمه
درس لن ينساه ابدا لاسيما الشعراء الذين ظهروا في القريب وارادوا أن يصلوا الى
مبتغاهم على حساب آخرين .
وقد قال الشاعر في فقد الرجال :
لعمرك ما الرزية هدمُ دار
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكنّ الرزيُة موتُ حُرٍّ
يموتُ لموته بشر كثير
إن المقدم سعيد باعمر لم يكن شاعرا فحسب بل هو مصلحاً اجتماعيا وصاحب مبادرات
في اطفاء الكثير من الفتن واطلاح ذات البين سواء كان داخل قبيلته او القبائل
الأخرى ، حيث يكون لحضوره الدور الابرز في ايجاد الحلول المناسبة بما ترضي
طرفي النزاع ، لأن ابا عمر صاحب كلمة فقد جعل له هيبة يدركها كل المتربصين
واصحاب اللف والدوران بل وقد اوقفهم وارجعهم الى مكانتهم الطبيعية .
كم سيكون لفراق هذا الرجل المغوار تأثير كبير وخسارة فادحة لأبناء قبيلته خاصة
والقبائل المجاورة عامة بل وهناك نهاية مشوار الشعر الشعبي والزوامل التي
تفتخر بها القبيلة ويحسب الف حساب للشاعر ابوعمر إن كان حاضرا والشعبية
والاحترام المتبادل بينه وبين محبيه وعشاقه واخوانه الشعراء ، فما أن تحدث
قضية معينة او حدث ما؛ ويأتي زواج يظهر تلك القضية في قصائده ويذكر اسبابها
بطريقة احترافية وكلمات تحمل معاني كبيرة وتردع المتربص والمتسبب.
بوداع شاعرنا وفقيدنا انتهت قيمة الزوامل والعضيد التي تقام في مناسبات فكم
نلاحظ لحضوره المتابعة الكبيرة والعكس صحيح إن غاب عن مناسبة معينة يظهر لك
صغار الشعراء ويستثمروا غيابه ولكنهم لايأتون بمثل ماتجود به قريحته الشعرية
الفريدة وكلماته الرنانة النابعة من شاعر متمكن تشهد لهم الهضاب والجبال
والاودية سواء كان في حضرموت او خارجها.
رحل ابوسالم وترك في قلوبنا جروحاً لن يستطيع كبار الأطباء والمستشفيات أن
يعالجوها وفراغا كبيرا من الصعوبة بمكان أن نجد من يسده ، نكتب كلماتنا
والدموع تسابق الحروف والعبرات تخنق الصدور وجبال الصوط والطين والحصى إن كان
يبكي سنسمع صوته ، وادعا لصاحب الهيبة ورجل المواقف الصعبة التي تعرفه مجالس
(مقاعد) حضرموت القبلية عندما يبدأ في حل قضية او تحكيم بين متخاصمين ، فكم من
القضايا كان لها واعاد المياه الى مجاريها بما وهبه الله من رجاحة عقل والخروج
بحل مرضي للطرفين .
فمن أين لنا أن نأتي برجل كهذا ؛ فالخسارة فادحة والخطب كبير وعلينا أن نسلم
امرنا لله فهو ارحم الراحمين ولا راد لقضاءه وقدره ، إلى جنات الخلد ابوعمر
فقد تركت فينا ارث وتاريخ ناصع البياض سنتذكره دائماً ويبقى للأجيال القادمة ،
ونسال الله ان يسكنك فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا،،، والتعازي لكل اخوانه وابنائه واقاربه ومحبيه في الداخل
والخارج …
إنا لله وإنا إليه راجعون…