مقالات وكتابات رأي

حضرموت جنة الدنيا في عيون أهلها

اخبار دوعن / سالم بجود باراس

ارتعش القلم في يدي ، وأنا أصف فاتنة الجمال ومعشوقة الملايين ، حضرموت العلم
والخُلق والإبداع والطيبة ، فمن رحمها ولد الشعراء والفنانين والمبدعين
والموهبين ، وكم سنعدد ونعدد ، ستغيب الشمس في كبدها ، وتنفد أقلام حبري ،
وصفحات كتابي ، ولن ولن نحيط ببحر علمائها وفنانيها ، ومخترعيها وكتابها
ورجالها الأشاوس، حضرموت الرئة التي نتنفس منها ، وعروق الوريد الذي يجري في
أجسادنا ، هي كالروح للجسد ، هي جنة الدنيا بعيون ساكنيها منذ ولادتها .

ليست كلماتي مديح وتبجيل وتضخيم ، حضرموت تعشق السلام والحب والوئام جيلاً
بعدجيل ، لا تظلم ، لا تسرق ، لا تخون ، لا تنهب ؛ هم رأس الأمانة على وجه
الكرة الأرضية ؛ بشهادة الصحابة والتابعين ، وهم خير البشر ، وأعرف بمعادن
الناس وجواهرها .

ستهبط ريح الصبا بك على المكلا ، وترنو بعينيكَ زرقة البحر ، وهواءها العليل ،
وطيبة أهلها ، هي متنفس الحضارم قاطبة في العطل الصيفية ، وإليها تحنُ
الأفئدة..

وإن يممت نحو شبام ناطحات السحاب ، وسور برلين الحضرمي المحيط بها ، ستقف فاغر
الفاه حائر الفكر .. وستقودك رحلتك إلى سيئون الجميلة ، وماءها العذب الرقراق
، وسترى الحِرف المتنوعة ، والطباع الجميلة ، والمباني الأنيقة…

تقدم قليلاً إلى تريم الغناء لتشاهد مالا عين رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، من جمال
باهر ، وقصور قشيبة وساحرة ، أنت لست في بلاد الواق واق ؛ بل في مدن ومنتزهات
حضرموت العريقة ، ذات الأصالة والتاريخ والإنسان والعلم والأدب .

بالأمس حاولت الضباع النجسة والقلوب المريضة ، أن تُدنِس جسدها الزاهي ، وتخدش
وجهها الساطع ، وتخفي ابتسامتها الساحرة ، ولأنها لا تعشق الموت ، ولا تحب
رؤية الدماء ، رفعت يدها لباريها ، فوقفت كل حربٍ وبطشٍ وكيدٍ ، على عتبات
بابها ، ومن حاول أن يلج عقر دارها ، قصمه الله في التو واللحظة…

حصلت حروب عظيمة فنطفأت ، قبل أن تصل نيرانها لحضرموت المحصنة بأعمالها
الخيرية.. حصلت حرب 13 يناير فخمدت قبل أن تصل حضرموت ، ثم حرب صيف 94م
المدمرة المشؤومة ، فخمدت قبل أن تنال سعفة نخلة في حضرموت ، وهاهي الحرب
اليوم تستعر نيرانها ولا تنطفئ ، تحاول بكل قوة ، أن تصل إلى بلدٍ أعطاها الله
الأمن والأمان من فوق سبع سموات ، منذ سنين عديدة ، فسخر الله لها من يحميها
ويدافع عنها ، وأما من عبث وسرق ، ونهب ممتلكاتها ومقدراتها ، فلها دعوة قاصمة
مستجابة لا ترد مفادها ” حضرموت تصطاد مجرميها كالعنقاء في صحراء ثمود “
بدعائها وطيبتها وصدقاتها التي عمت البلاد طولاً وعرضاً، هي لا تعشق الدم
الأحمر ، وتنفر منه كما ينفر السليم من المجذوم فراره من الأسد.

ثم عرَِّج بنا لوادي دوعن بنخيله وبيوته ، وكأنه النسر الحائم ، يفرد جناحيه
على ضفتي نهرٍ يرحب بزواره ، دوعن تختزل في ذاكرتي ذكريات جمة ، هي واحة خضراء
جميلة زاهية الألوان ، تلفت انتباهك للنوافذ والأبواب المزينة بنقوش تاريخية ،
مثلها مثل كل وادي حضرموت ، السلام ونظرة الترحيب من أهلها لا تكف ساعة عن
الغريب والزائر ، فيشعر بسعادة لا توصف ، فجبالها السمراء ونخيلها الخضراء ،
وسماحة أهلها ، كلها كجسد واحد ، لاينفصل ولا يتجزأ ، كروحٍ في جسد ، فهذه هي
دوعن الحبيبة .

حضرموت بجمال بيوتها التراثية ، ومساجدها ذات القبب الباسقة والأنيقة ، التي
تعانق عنان السماء ، فترتسم للناظر إليها لوحة تخطف الأبصار ، وتشرئب إليها
الأعناق ، فكلما رحلت عنها ، تاقت واشتاقت إليها نفسك ، حتى تكاد تخرج روحك
وتحلق بجناحيها ، تشدو الرحيل إلى حضرموت الساحرة.

حضرموت كجوهرة نادرة عجيبة فريدة ، بل هي الذهب الأبريز ، والألماس النادر ،
هي أم الكنوز ، وأم الإبداع والفنون ، هي تحفة صانها الرحمن من أحلى التحف ،
وحفظها الباري من كل خوف وفزع وتلف ، هي جامعة العلوم ، وملكة العقول والمواهب
، حضرموت في اسمها الحضور والظهور والتألق والانفتاح ، وفي طرف لسانها لمن
عصاها الموت والعلقم القاتل .

ستظل حضرموت لؤلؤة فريدة ، وتحفة عجيبة لكل زائر ورحالة ، في قديم الزمان ،
وفي كل عصرٍ حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

ستنزاح هذه الخدوش من على وجهها ،التي يحاول الحاقدون ، شطبها من تاريخها
الناصع ، وستعود حضرموت كما عهدناها لا تلين ولا تخضع ؛ لكل عادة قبيحة دخيلة
عليها ، ستنفي حضرموت خبثها ، وترتدي ثوبها الجميل الباهي ، فحضرموت لا تصدأ
ولا تتغير كالذهب الأبريز.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى