مقالات وكتابات رأي

كتاب ( حضرموت إزاحة النقاب عن بعض غموضها ) ملاحظات وآراء

يعتبر كتاب ( حضرموت إزاحة النقاب عن بعض غموضها) تأليف دانيال ميولن- فون
فيسمان ، من أهم الكتب التي وصفت حضرموت ومناطقها وعرجت على جبالها وهضابها
ووديانها ، ناهيك عن وصف دقيق لأهلها وبيوتها إلى غير ذلك ، الذي أثلج صدري في
هذا الكتاب حبهما للاستطلاع والمعرفة ليس قولا بل عملا لذلك اقتحما الصعاب
والأخطار في سبيل تدوين حسب ما يشاهدونه بأنفسهما وإن كان لي بعض الملاحظات
والتوضيح لبعض ما ذكر في كتابهما سنذكره في محله .

سوف اقتطع بعض من نص الكتاب ثم التعليق عليه فيما بعد .

(( ذكر في كتابهما ( الموتور ) فهو دليلهما إلى دوعن ووادي حمم واللصب وغيرها
وأن منطقته ( الحِسي ) بكور سيبان والتي تعتبر أعلى جبل بحضرموت بالرغم من أن
ارتفاعه لا يتعدى 7088قديما …))

التعليق :
(الموتور ) اسم شخص من قبيلة آل سيبان يسمى عمر بن عبدالله باكردس المرشدي
السيباني ( الموتور ) .

ولماذا سمى الموتور إليك السبب ؟
إنه تحرك من المكلا عصرا ووصل القويرة بدوعن ثاني يوم ظهرا ..فلما سئل متى
تحركت من المكلا. أخبرهم الخبر لم يصدقوا ذلك فقالوا له : إنك. موتور أي سرعة
سيارة ومن ذلك اليوم سمى الموتور .
ولا يزال أولاده على قيد الحياة منهم العقيد المقدم عبدالله عمر الموتور .
وكما ذكر الكتاب سمى ( الموتور ) هو لقب حديث استحقه بجدارة لأنه كان يقطع
المسافة من دوعن إلى المكلا في يومين وليلتين عندما كان يحمل الرسائل الحكومية
العاجلة وكان يحضى بثقة الوزير الكاملة…)) انتهى .

فسمى الموتور لسرعته وخفته لإصال الرسائل من المكلا إلى دوعن سواء للحكومة أو
لأي شخص يدفع من التجار والمواطنين وهناك شخص كان ينافسه هو ( البرق ) وهو لقب
لشخصية من آل سيبان ، سريع وخفيف في إصال الرسائل من المكلا إلى دوعن أو
العكس وهو تحديدا من قبيلة السموح وهذين الشخصين لازالت شهرتهما على كل لسان
عند قبائل نوح وسيبان ( البرق والموتور) .

وتم وصف عمر بن عبدالله باكردس الملقب بالموتور من قبل الكاتب فقال : (( …
كان ( موتور ) صغير الحجم وشعره المموج المدهون الأسود معقوص بضفيرة جلدية
رقيقة حول رأسه ، ويعلق على رقبته سلسلة يتدلى منها خاتم فضي يتوسطه حجر بني
مسدير في حجم ظفر الإبهام ويلف حول خاصرته قماشا داكن الزرقة وضع فيه غمد
سكينه ( يسمونها جمبية) وكان هذا كل لبسه …)) .

التعليق :
كان الوصف رائع وجميل وبزيادة توضيح للمبهم من هذا الوصف للرجل وما يلبس
فمعروف أن قبائل سيبان ونوح لهما عادات وتقاليد في اللبس وقد وضعنا كتاب عن
هذاه العادات والتقاليد بشكل مفصل في كتاب ( زبدة الخلاصة في عادات وتقاليد
حضرموت ) وهو تحت الطبع .
فرجل القبيلة دائما ما يدهن رأسه بزيت السمسم وكذلك يديه ورجليه وهذا بشكل
يومي صباحا ومساء كعادة درج عليها .
وما يعلقه في رقبته هو زينة يسمى عندهم ( فص ) أي فص من الفضة وبطرفه حجر كريم
.
وأما ما يلفه حول خاصرته فهو ( الصبيغة) واحدة يلفها على خاصرته وواحدة على
كتفه ؛ وهذه الصبيغة مصبوغة بلون يميل للأزرق وعادة ما يبخ لونه في الجسم
ويترك أثر واضح للعيان .

ذكر المؤلف ( المربعات ) التي وصفها بهذا الاسم في هضبة مرتفعات حضرموت مروراً
من منطقة ( الحِسي) ووادي حمم والسوط…)).

التعليق :
المربعات يقصد بها بيوت صغيرة سواء من الحجر الخالص هو الحجر ومادة الجير ما
يسمى عند نوح وسيبان ( القرف ) تسمى هذه المربعات السرين وتستخدم كنقطة عبور
واستراحة للقوافل والمسافرين وعابر سبيل .
وسنذكر المحطات قديما على الطريق القبلية لهضبة مرتفعات حضرموت منذ الخمسينات
وهي محطات وقوف واستراحة سواء بالقوافل أو السيارات وهي :
1 – النويمة 2- إديمة 3- بين اللصوب 4 – بين الجعار 5 – نقاب باقعر 6 – الشورة
7 – بين الجبال 8 – القمَّرة 9 – الدهماء 10 – الفرضحة 11- جول عبيد ( وهو جول
في مرتفهات هضبة حضرموت كانت بريطانيا تنوي إقامة مطار فيه وبدأ العمل فعلا
ولازالت أكوام الحجارة إلى الآن موجودة لبدء المشروع ولكن القبائل عارضت على
ذلك ) .12 – الصدع وطريق الحِبل ؛ الصدع هو عقبة تنزل فوق رباط دوعن مباشرة
كانت محطة لنزول القوافل .وطريق الحِبل عقبة مشهورة بدوعن تنزل سد منطقة
الرشيد مباشرة وهي من أشهر الطرق القديمة بدوعن زمن الحكم البريطاني والقعيطي.
تم ذكر هذه المحطات لي من قبل المقدم عمر احمد باصريح الملقب ( بالقحم) .

ذكر الكاتب في الفصل الثالث (( … وتتكون قرية الدهماء كما يبدو من حوالي
عشرين منزلا صغيرا شيد الجانب الأسفل منها من حجارة غير منسقة وشيد الجانب
الأعلى من الطين ، وبها قلعة مربعة ضخمة مبنية من الحجارة في الدفاع عن القرية
ويسكن فيها العمدة .
وفي حافة القرية بناء من الطين يستعمل جماعيا لدرس الحبوب .
وهناك أفران لشواء اللحم وهي عبارة عن أكوام صغيرة من الحصى توقد عليها النار
حتى تصبح ساخنة ويشوى عليها اللحم .
كان عدد المصابين بالعمى وبأمراض العيون الأخرى مروعا والمقبرة التي تقع خارج
القرية كبيرة مغطاة بأكوام من الحجارة مما يعطي انطباعا بأنها حديثة ويبدو أن
( الدهماء) ابتلت بوباء.
إلى أن قال الكاتب وبعد أن اجتزنا الدهماء شاهدنا بحيرة صناعية تم حفرها بجهد
كبير لتحفظ ماء المطر كانت جافة في ذلك الوقت وصلنا بريرة بعد نصف ساعة من
المغيب حيث يقع مكان إقامتنا لليل بالقرب مت قرية صغيرة…)) انتهى .

التعليق :
قرية الدهماء كتبت عنها استطلاع في مجلة شعاع الأمل ولن نعيد ما قد كتب هنا
وكذلك كتبنا عنها في موضوع (حصون نوح وسيبان ولبنة والحيسر تحت المجهر) في
مجلة حضرموت الثقافية العدد الرابع .
ما يهمنا تفسير بعض ما ورد في هذا النص .. يقول وبها قلعة مربعة ضخمة..
يقصد حصن الدهماء للمزيد عن معرفة هذا الحصن ارجع لمجلة حضرموت الثقافية العدد
الرابع .
ويقول الكاتب .. يسكن فيها عمدة يقصد مقدم القبيلة ومعروف لكل قبيلة مقدم يدير
شؤون القبيلة في السلم والحرب ويحل النزاعات والخلافات في القبيلة وإليه يرجع
كل أفراد القبيلة وصوته مسموع وأمره نافذ وحكمه ينفذ بدون سؤال أو مراوغة.

ويقول الكاتب ( وفي حافة القرية بناء من الطين يستعمل جماعيا لدرس الحبوب
وهناك أفران لشواء اللحم وهي عبارة عن أكوام صغيرة من الحصى توقد عليها النار
حتى تصبح ساخنة ويشوى عليها اللحم …)

التعليق :

الذي هو في حافة القرية يقصد به ( الوصر) مساحة قرابة خمسة أمتار في خمسة
أمتار يتم فيها درس الحبوب من محصول كل سنة ولازال ( الوصر ) عند قبائل نوح
وسيبان قائما إلى يومنا هذا .
وأما الأفران التي تحدث عنها الكاتب هو ما يسمى ( المضباة) وهي عادة أصيلة
لازالت إلى يومنا هذا تستخدم لضبي اللحم في الطبيعة في الأعياد والأفراح وغير
ذلك .
حيث يتم جلب أحجار كبيرة توضع على شكل دائرة ثم تملئ بحصيات صغيرة مختارة
بدقة وخفيفة بعد ذلك يتم وضع الحطب عليها وفوق الحطب يوضع مجموعة حصيات أيضا
ويتم إشعال النار حتى تخمد ويتم ضبي اللحم على الحجر المسخن وتحته الجمر وهذه
هي ما تسمى ( المضباة) .
أما المقبرة التي تحدث عنها الكاتب وكان تفسيره بأن أهلها ابتلت بوباء فهذا
غير صحيح إطلاقا فصحيح أن المقبرة أكبر من القرية ولكنها مدفن لكل موتى القرى
المجاورة في ذلك الزمن وهي تقع بالقرب من الخط لذلك تم دفن الكثير من الغرباء
فيها .
وأما قوله ( … وبعد أن اجتزنا الدهماء شاهدنا بحيرة صناعية تم حفرها بجهد
كبير لتحفظ ماء المطر …)
البحيرة الصناعية يقصد بها ( الكريف) وهي حفرة يتم حفرها يدويا وبمشقة وجهد
كبير ليتك تجميع مياه الأمطار فيها وتستخدم للشرب ولعابر السبيل وسقي المواشي
والإبل وغير ذلك .
يقول الكاتب : تحت عنوان رحلة قصيرة إلى أنقاض قوم عاد …
يذكر الكاتب بأنهما اسطحبا أحمد العجوز أحد رجال قبائل سيبان وهذا النص : (
… وقال أحمد: وهو أحد رفاقنا السيبانيين بعد أن أغريناه بعطاء جزل إنه تجول
في تلك الأنقاض وتذكر نقوشا رسمها قوم عاد على سطح صخرة في وادي ثقب وهي ليست
بعيدة تقع في الشمال الشرقي من طريقنا وبجانبها بقايا منازل سكنها أولئك القوم
في أيام نبي الله هود …)

التعليق :
اسم الوادي هذا وادي منوة لقد ذهبت إليه أكثر من مرة والكتابة موجودة في وادي
( ثقبة) وهذا المكان زرته أكثر من عشر مرات وبه كتابات ونقوش حميرية كتبت بخط
المستند كما يبدو لي ، وقد تم فك شفرات بعض هذه النقوش كما يذكر الكاتب نفسه
من قبل البروفيسور ( موردمان) من برلين فوجدت أنها نقوش لأسماء وأعلام .

يقول الكاتب : في الفصل الرابع وادي دوعن …
(… توجد فقط مدرستان أسس كليهما ويصرف عليهما السيد الرائع من تريم ((
أبوبكر بن شيخ الكاف )) إن قيام هذا الشخص القيادي من منطقة الكثيري بتأسيس
ودعم معظم المدارس في منطقة القعيطي أمر غير عادي ويعود الفضل لكثير من
المدارس في المكلا والشحر إلى كرم السيد الكاف يوجد في الخريبة 70 إلى 80
تلميذا ومدرسة أخرى في قيدون بها 20 إلى 50 تلميذاً.
التعليق :
لم يترك الكاتبان لا شاردة ولا واردة إلا ودوناها للتاريخ والجيل الصاعد .
في نفس الفصل يؤسفني أن هذا الشخص السيد أبو بكر بن الشيخ الكاف مطمور في
ذاكرتنا وذاكرة جيلنا الحاضر بل لا يعرف عنه أي شئ ويذكره رحالة أجنبي ويعطيه
قيمته ومكانته ونحن وأبنائينا لا نعرف عنه شئ وهو الداعم ورجل الخير لهذه
المدارس في حضرموت ودوعن وغيرها .. نحن نتعلم أول من أخترع السيارة من الغرب
وأول من صنع كذا وكذا ونحفظها عن ظهر قلب بينما تاريخنا وتراثنا لا نعلم عنه
شئ خذ هذا على سبيل المثال لهذا الرجل السيد أبو بكر الكاف وذكرها الكاتب نفسه
بالنص (… السيد أبو بكر كان أول من أدخل السيارات إلى حضرموت وشق الطرق إلى
سيئون وتريم وأول من بناء المدارس ودعمها ماليا وأول من جلب طبيب هندي يعمل في
حضرمون..) أنتهى

كفى بهذا فخرا يا أهل حضرموت التراث والتاريخ والعبقرية .
أختم بنص للتفكير وإعمال العقل للكاتب للحفاظ على النمط التراثي الحضرمي
الأصيل فقال في نفس الفصل الرابع وادي دوعن : ( … وعندما عبرنا القرين
اندفع نحونا أبناء السيد محمد بن عبدالله بن طه البار وهو المنصب وقادونا في
زهو إلى منزل والدهم يستحق المنزل بحق مشقة الزيارة فرغمزحداثته إلا أنه حافظ
على النمط القديم ، كل النقوش الخشبية على الأبواب والنوافذ والزخرفة فوق
الألواح الحديدية المطلية بالقصدير ورؤوس المسامير حضرمية أصيلة..) وعندما وصف
الكاتب البيوت وصف بيت البار نفسه فقال : ( ووضعت في منزل البار مرايا في
السقف وهو تقليد حديث وقبيح… ) انتهى.

أيها القارئ والمثقف قف عند آخر عبارة للكاتب وتفحصها جيدا بعقلك وفكرك وهل
بدأ الحضارم يخلعون تقاليدهم وتراثهم بالحديث وكيف ينظر لك المثقفون في الغرب
؟!! .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى