مقالات وكتابات رأي

شبوة: رحلةٌ ترويها الحروف من ظلام الماضي إلى ضياء المستقبل

اخبار دوعن / بقلم عبدالله الحداد`

كانت شبوة، لسنواتٍ طويلة، تُختزل في صورةٍ قاتمةٍ تتردد في وسائل الإعلام كصدى لأزماتٍ عاشتها كانعدام الأمن، وانتشار الثأر، وإرثٌ من التهميش. لكن اليوم، تنفض المحافظة عن كاهلها غبار الماضي، لترسم بريشة الأمل لوحةً جديدةً تليق بتاريخها العريق وإمكاناتها الواعدة. فما كان يوماً حكايات الفوضى والضعف، تحوّل إلى سرديةٍ مختلفةٍ تُكتب بأيدي أبنائها وإرادة قيادتها.

لم تكن الرحلة سهلةً من قلب التحديات. فتحسين الأمن، الذي كان الهاجس الأكبر، تطلّب جهوداً مضنيةً لتعزيز سيادة القانون، وبناء الثقة بين المجتمع والأجهزة الأمنية، واستبدال لغة العنف بنداء المصالحة. فشهدت شبوة بهذا تحولاً ملموساً، طرقاتٌ كانت تُغلق بسبب الصراعات، فتحت ذراعيها للتجارة والزيارات، ومجتمعاتٌ كانت تُحاصَر بالخلافات، بدأت تنسج خيوط التعاون عبر حواراتٍ تشاركيةٍ تضع مستقبل الأجيال فوق كل اعتبار.

وفي قلب هذه التحولات، تبرز ثروات شبوة الطبيعية كشاهدٍ على إمكاناتٍ لم تُكتشف بعد. فالمحافظة، التي تحتضن أكبر ميناء لتصدير الغاز في اليمن، لم تعد مجرد رقمٍ في التقارير الاقتصادية، بل أصبحت مركزاً حيوياً يُسهم في دعم الاقتصاد الوطني عبر محطة بلحاف العملاقة. لكن الثروة الحقيقية لا تقتصر على الغاز؛ فالأرض التي شهدت حضاراتٍ عتيقةً تختزن بين جنباتها كنوزاً أثريةً وسياحيةً تنتظر من يكتشفها، من قلاعٍ شامخةٍ تروي قصص الأجداد، إلى طبيعةٍ خلابةٍ تخطف الأنظار.

لم يتوقف الأمر عند الأمن والاقتصاد، بل امتدت رياح التغيير إلى حياة الناس اليومية. ففي قرى شبوة ومدنها، تُبنى مدارسٌ حديثةٌ تُضيء عقول الأطفال، وجامعات حديثة تصنع شباب المستقبل ، ومحطات كهرباء كبيرة مستدامة لتنير احياءها وشوارعها، وتنتشر عياداتٌ صحيةٌ تُعيد الأمل للمرضى، وتُفتح طرقٌ جديدةٌ تربط الأحياء النائية بمراكز الخدمات. التعليم، الذي كان حلمًا بعيد المنال لآلاف الأسر، أصبح واقعاً ملموساً يُكافح الأمية ويزرع بذور الوعي. والصحة، التي كانت تُقاس بندرة الإمكانات، صارت أولويةً تُترجم بمستوصفاتٍ مجهزةٍ وكوادرَ طبيةٍ مدربة، والظلام الذي كان سائدا ، صار انوار ينير دروب الطرقات.

لكن رغم كل هذا الضوء، ما زالت بعض الأصوات الإعلامية تُصرّ على اجترار الصور القديمة. فبدلاً من أن تكون منصةً لإبراز الإنجازات، تتحول أحياناً إلى أداةٍ تعيد إنتاج الإشاعات. وهذا التناقض يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يُمكن لشبوة أن تُحافظ على زخم تقدمها وسط ضجيج التشويه؟ الجواب يكمن في مسؤولية الإعلام نفسه، الذي يجب أن يتحول من ناقلٍ سلبيٍ للأزمات إلى شريكٍ فاعلٍ في التنمية، يُسلط الضوء على قصص النجاح، ويدعم جهود الاستقرار، ويُعيد للجمهور الثقة في إمكانات المنطقة.

اليوم، يُمكن للمرء أن يلمس روحاً جديدةً تتنفس في شبوة. روحٌ يعكسها شبابٌ يتطلعون إلى آفاق العالمية بلا خوف، ونساءٌ يُشاركن في بناء المجتمع بفخر، ومبادراتٌ اقتصاديةٌ صغيرةٌ تتحول إلى مشاريعَ كبيرة. حتى الثقافة، التي كانت تُختزل في موروثات الصراع، عادت لتُظهر وجهاً آخر: مهرجاناتٌ تراثيةٌ تجمع القبائل، وفنونٌ شعبيةٌ تُحيي الذاكرة الجمعية، وحِرَفٌ يدويةٌ تُعيد إحياء الهوية.

التحديات ما زالت موجودة، لكنها لم تعد تُعرقل المسيرة، بل أصبحت وقوداً للإصرار. فشبوة، التي تعلمت من دروس الماضي، تعرف أن طريق التميز طويل، لكن خطواتها ثابتة. والعالم مدعوٌ اليوم ليرى وجهها الحقيقي: وجهٌ لا ينكر الصعوبات، لكنه يرفض أن يُختزل فيها. وجهٌ يُصدق فيه القول بأن المجتمعات لا تُهزم إلا عندما تفقد إرادة التغيير، وشبوة، بكل ما فيها، قررت أن تكون في صف المنتصرين.

في النهاية، ليست شبوة مجرد محافظةٍ تتغير، بل هي قصةٌ عن إنسانٍ يرفض الاستسلام، وأرضٍ ترفض النسيان، ومستقبلٍ يرفض أن يكون نسخةً من الماضي. قصةٌ تُذكرنا بأن النهضة ليست شعاراتٍ تُرفع، بل إرادةٌ تُترجم على الأرض، وحروفٌ تُكتب بدماء القلب، لا بحبر اليأس.

زر الذهاب إلى الأعلى