الحفاظ على التراث والتقاليد واجب
كم يحز في نفوسنا ويدميها أن تظل حضرموت التاريخية ذات المدن العريقة كتريم
ودوعن وسيؤون والقطن وهلم جرا مدن بلا تاريخ بلا هوية بلا تعريف للأجيال ولكل
سائح يريد أن يعرف عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا رأي العين ليذهب بإنطباع شافي
كافي عن كل مدينة عريقة …
ذات يوم ألتقيت بسائح من دولة صديقة ومما دار بيننا من حديث ..
أين متحفكم لكي أكتب عنه وأرى فيه عاداتكم وتقاليدكم وتاريخكم ؟!!!!
خرصت الألسن وتبددت الكلمات وهربت من السؤال وتلعثمت وانتهى المشهد بهز رأسه
يمنة ويسرة…
تذكرت مقولة لجدتي تحثنا على التمسك بالعادات والتقاليد والحفاظ على التراث
لأنه هويتك وتاج رأسك تقول :
(( من لا يذبح شاته..ويخزم
حذاته .. ويخيط ثوبه …موته أحسن من حياته ))
عندما لا تجد من يساندك من يقف معك من يصرخ وتنطلق الأقلام بحملة توعية ويشترك
التجار وأرباب الأموال ليتنافسوا لعمل متاحف تضم كل عاداتنا وتراثنا
ومخطوطاتنا وتوثق ولكن وجدت خمول وسكوت وكأن على رؤوسهم الطير …
كتبت مقال بصحيفة دوعن في شهر أغسطس لعام 2015 م بعنوان ( التراث الدوعني في
الرمق الأخير) فلم نجد له صدأ ولم تتحرك أقلام مثقفينا ولم نجد حملة (إنقاذ
لهذا التراث ) برغم الفيس بوك والتويتر والواتساب فلم يستغلها المثقفين وتلك
مصيبتنا ينقصنا النشاط وإستغلال الفرص فعليك واجب نحو وطنك وتراثك وعاداتك
فليرى منك الجميع حركة ونشاط مستميت ولكن ناديت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن
تنادي …
عجبت بأهل تريم وسيؤون وحبهم لعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم وتدوينه برغم
أصواتهم التي بحت من الصراخ لمساعدتهم من الجهات ذات الإختصاص ولكن أذن من طين
والأخرى من عجين …
ثم كتبت مقال وبنفس الصحيفة في شهر أغسطس لعام 2016 م بعنوان
(النداء الأخير لإنقاذ دوعن )
وذهب الصراخ والزعيق فتناثر كحبات الرمل في الصحراء وذهبت الكلمات أدراج
الرياح …
كتبنا كتب تراثية وأخرى عبارة عن قصص وروايات ولكن بقي أكثرها تحت الإنتظار
لأجل غير مسمى، وتكاد تصاب بالإحباط …
دعوني أحكي لكم قصة كتاب من عشرون عاما طرقت أبواب كثيرة رغم قلة معرفتي فلم
أجد أذن صاغية ، صرخت يا عالم هذا تراث وعادات وأشعار لكبار الشعراء لم يكتب
عنهم أي أحد فيه قصائد جميلة ولكن صرت أكلم جلمود صخر لا حياة فيه ، ذهبت بهذا
الجهد للتنور أكثر من مرة لأحرقه وتنتهي قصة عذاب ومرارة تخنقني ولكن لم
أستسلم أبدا وصدق علي بن ابي طالب رضي الله عنه عندما قال (( لو كان الفقر
رجلا لقتلته )) وبعد هذه السنوات العجاف ساعدني الأستاذ عبدالله باراسين في
إيجاد متصدق ونشر الكتاب بعد رحلة عذاب وجهد لا توصفه الكلمات ..
ثم شرعت بجمع كل ما أراه سيندثر ويختفي في بئر برهوت وها أنا ذا أعود لنفس قصة
كتابي الأول …
بذلنا جهودا مضنية فلم نجد ريال واحد من يدعمنا ومثلي بحضرموت وفي اليمن كلها
مئات مغمورين ، فأين جمعيات الخير إن كانت موجودة أصلا للخير بل متواجدة للأسف
معظمها للنصب والسرقة ، الفقراء والمحتاجين لا أحد يصل إليهم بالأرياف بل وفي
المدن نفسها ، صارت توزع المعونات لأهداف حزبية وطائفية بحتة والله المستعان
…
فهل من صحوة يا مثقفينا للتكاتف والتعاون لطرح الأفكار التي تساعد الناس
والفقراء والمحتاجين فقد وضعنا الكثير من الأفكار فلم أجد تفاعل إلا بحضرموت (
تريم -سيؤون- القطن ) والبقية أرواح تسكن قلب جماد …
أنا لا أصرخ لنفسي بل لوطني وتراثي المنهوب المسلوب ، لكي نلم فتات ما بقي قبل
نقول يا ليتنا جمعناه قبل أن نفقده و يذهب في غياهب الزمان …
هذا النداء الأخير لن يكون لأهل دوعن بل لأهل حضرموت كلها ودعونا نطلق عليها
حملة ( إنقاذ للتراث والعادات والتاريخ) سمها ما شئت فالمهم والأهم إنقاذ ما
يمكن إنقاذه فشمروا الساعد وليقف القاعد لأجل جيل صاعد يعرف تراثه وتاريخه
ونأمل أن نرى متاحف جميلة في كل مدينة ونرى السياح يرتادونها بعشرات الالاف
سنويا ، نأمل ودعونا إن لم نستطع ذلك نحلم فالأحلام للكسالى والعاجزين مخدر
مؤقت ولكن لا يبني وطنا .