إياك إياك من أكل الحرام يا ولدي ؟!!!
كنت جالسا أتذكر سنوات مرت بحلوها ومرها ، فجلس عندي رجل حاذق في السن يشرف
على السبعين عاما وقال: يا بني هل ترى هذه الأموال وتلك الدكاكين أعرف أصحابها
عندما بدأت الأوضاع تفلت وبدأت مصطلحات جديدة تظهر على السطح “الفيد” ” أموال
الدولة” ” الطمع ” ” والجشع” وهلم جرا فبدأ من لا يخاف الله فجمع أمواله من
الحرام من سرقة ونصب وقتل وخطف .. وكل ما يتبادر إلى ذهنك من أوساخ
الدنيا..كنت متكئا فعجبني كلام الرجل فاستويت جالسا ..فواصل حديثه هل ترى تلك
العمارة الواقعة (….) -وهو يتكلم عن حضرموت بشكل عام – .. وتلك التي على
يمينك ،كل هذه العمارات بنيت من السحت والحرام فلقد مات أفراد مجرميها وأنا
شاهد على موتهم واحدا واحدا.. الحرام اصطادهم كالفراش يهوي للنار فدى..
إن الله عدل عدل يا بني ..تذكرت قبل فترة كتبت مقال عام بعنوان
(( حضرموت تصطاد مجرميها)) وإذا بي أشاهد حكمة الله تتجلى أمامي واضحة للعيان
كل الذين نعرفهم ويعرفهم الناس سطوا وأكلوا الحرام وظلموا منهم من مات ..ومنهم
من يتعالج من أمراض خطيرة ..ومنهم من يعيش بقية عمره في السجن ..ومنهم من
ينتظر قدره في الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر وأشد…
ألتفت لي وقال : يبدو أنك لا تصدقني رأيتك شارد الذهن والتفكير .
ربت على ظهري وهو يقول : إياك إياك أن تفكر في كسب قرش حرام، فإن مصيبته كبيرة
عليك وعلى أولادك ..
نظرت إليه وإذا بدموعه تتساقط على الأرض يحاول يخفيها مني كان البحر هادئ خيم
السكوت لحظات نظرت لتلك السفينة الحمراء القابعة في بحر المكلا تحكي قصة ألم
.سرحت بعقلي أرنو إليها جعلت الرجل يأخذ راحته عرفت بأن هناك ألم يعتصره أو
ذكرى تفيق كالشيطان في أعماقه ..إنه يحاول ينسى ولكن الأحداث تكرر بنفس
السيناريو أمام عينيه .ولسان حاله يقول ” عادت حليمة لعادتها القديمة ” ثم قال
: كان محمود ابني الكبير نشأ على مكارم الأخلاق وحسن المعاشرة وطيب الكلام لقد
أطعمته بالحلال وكذلك كل أفراد أسرتي كنت أرى فيه مستقبل أولاد سأموت يوما
وسيحل مكاني ليكمل المشوار ويعتني بأخوته وأمه لقد خطبت له ابنه عمه ذات جمال
وحسب ونسب ..ولكن الأقدار نسجت خيوطها من حيث لا أدري .يأتي البيت والقات بيده
اليمنى والسيجار باليد الأخرى حاول نصحه مرارا وأنه يمشي في طريق مظلم وخطير
ولكن لا فائدة وبعد مشادات كلامية طردته من البيت دخلت المشفى عشرات المرات
بسببه طلع عند الضغط واصبت بالسكري والقرحة تمنيت أنني مت
يا ولدي .وفي يوم من الأيام جاءني خبر وفاته لقد أطلق عليه أحدهم النار عندما
حاول سرقة سيارته .لقد مات محمود لأنه ولغ في الحرام وعاش على الحرام لقد جاء
في عصر كل شئ فيه يساعد على أكل الحرام فلا دولة ولا نظام ولا قانون وغلاء
فاحش ..
وهنا قاطعته قائلا: لا
يا عمي مهما كان الوضع فالحرام حرام والسحت سحت ونهايته مأساوية ومؤلمة.
نظر إلي وقال: نعم يا أبني هذا ما حاولت أن أعلمه لمحمود ولكنه كان ذو عقل
طائش، ثم قام وهو يقول لي: إياك إياك يا ولدي الحرام يكفي خسرت محمود ..
ودعته وفي نفسي نار تشتعل ممن دنسوا أيديهم بالحرام وجمعوا وجمعوا وليتهم
شبعوا ولكنهم استمروا فكان عدل الله وميزانه سابق إليهم ..إيه وربي لعنة
حضرموت تصطاد مجرميها كان مقال في الصميم وليس حضرموت فقط بل كل شبر في هذه
الكرة الأرضية.