مقالات وكتابات رأي

العظماءُ العلماء .. ورثة الأنبياء

قبيل إستئناف مناخ الحديث والخوض في غمار الاجواء ، بدأ قلمي ينجبُ في الكتابة ويتماثل للشفاء فلم تعد به تلك الفلمّة التي تبطيه وتثبطه على أن يدرُ الحِبر على الأوراق البيضاء ، ودائماً ما كنت أرمل لﻹجابة على هذا السؤال ، وأروم لزواجه بإجابة تتناسب مع مقامه الجليل ، وكان يتوق هاجس المعرفة لقص أثرهُ وإلزام غرزهُ ، فمن هم العلماء الحقيقيون ؟

فبعد أن رميت ببصري على صفحات الكتب وتفرغت عشقاً لمعرفت من هؤلاء اﻷشخاص أستنبط جواباً أكتفيت بهِ لسؤالي.

فأجبت مخاطباً لذاتي هم جمع غفير من المسلمين وهبوا أنفسهم لهذا الدين الإسلامي تعلماً وتعليما وجهادوا فيه وصدعوا به وقادوا هذه اﻷمة إلى الهُدى والنور والحق ، وسطروا صفحات مضيئة عبر تاريخنا اﻹسلامي فأصبحوا بذلك القدوة الحسنة وأهل علماً وذكاء وفطنة على مدى الزمان.

وحينما أمعنت النظر جيداً وحدقت في سيرتهم بشدة كمن يقوى بصره عند إحتضاره عثرت على إنهم ليسوا فقط علماء دين يستنبطون أحكام الشريعة ويوضحون للناس قضايا دينهم ويجيبون على أسئلتهم وليسوا فقط فضاءً واسعاً في العلم ، وأنما وجدتهم رواد ودعاة في الفكر السياسي واﻹقتصادي واﻹجتماعي ؛ ونرى ذلك يُمرر مرّ السحاب بين أيدينا في النظر لتقييدهم العلم بالكتابة ، وعلى مرمى البصر خواطر مباركة كالسحاب ليس فقط تظلنا من أشعة شمس الجهل والتخلف ولكنها فوق ذلك تحمل بداخلها الخير أينما تساقطت قطرات الكلّم على العقل والقلب ، فشهدتهم فرسان للكلمة وقادة ﻷساطيل التُقى وهداه إلى مشاعل النور وقدوات في التطبيق والعمل والنجاح ، فأيقنت تماماً إنهم ما وصلوا إلى اﻹمامة في العلم إلى عندما مُحصوا في الصبر والكفاح والجهاد والرحِلة ، ولم يأتيهم بالكسل والعبث والراحة والتوسد في بيوتهم .

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله..
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا..

أتحدث عن ورثة الأنبياء وقافلة متواترة من العلماء اﻷكارم منذو سيد اﻷولين واﻵخرين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، قلى عني رُكام الشك ولم تصبني زخات ودقهِ وتلبسني صدق اليقين أنهم هم صفوة الخلق بعد اﻷنبياء والرسل ، هم النجوم المتلألة في جوف السماء ، هم ماآذن اﻹسلام وصروحهُ الشامخة ، هم من أخذوا وحملوا رأية هذه الدين لتبليغها وعدم إسقاطها ، وجدتهم أقل من إجترح السيئات وأقرب منهم إلى الكمال ، هم الضياء في الظلام ، والسلم في الحرب ، واليسر في العسر ، والحياة في الموت ، والغنى في الفقر.

نتحدث عن من رفعوا الراية ليصلحوا اﻷمة ويعيدوها على اﻹستقامة كلما أرادت إرادة اﻹنحراف أن تأخذ مجراها ، فلولاهم لندثر اﻹسلام ولنكست رأيته ونال منه من أراد ، ولكنني رأيت في كل زمناً له شيوخاً أجلاء حملوا راية اﻹسلام وأزاحوا ماعليها من غبار اﻷعادي الضالين المكذبين ، ولم يغفلوا لحظة عنها وأعلوها وكأنهم في حرب ، أتحدث عن أولئك العلماء المخلصين اﻷكفاء الذين عظموا العلم ولم ينوخوه ويذلوه لولي أو سلطان أو مالاً أو أغراضاً دنيوية ؛ بل أعلوه ومجدوه ووقروه وأحسنوا إليه.

يقول إمامنا الشافعي رحمه الله:
أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ… سأنبيك عن تأويلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ… وصحبة أستاذٍ وطول زمانِ..

أن بيان فضل العلماء يستلزم بيان فضل العلم ؛ لأن العلم أجلُّ الفضائل، وأشرف المزايا ، وأعظم الهدايا ، من رب البراياء ، وأعزُّ ما يتحلى بهِ الإنسان وأجمل مايسموا به ، والعلماء هم من أمدوا جسر التواصل بينهم وبين الله تعالى وأحكموا بناءه وصانوه من أن تعبث به وتجتاحه عواصف الشكوك وتنال منه كوارث الفتن فتبعوا منهج رسولهم فما وقعوا بسوء في دينهم ، فهنيئاً للعلماء حملت العلم وخزنته.

لذلك لم تتباطى أيات الحق عزوجل لتكريم العلم والعلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع، وتوقيرهم في طليعة حقوقهم المشروعة لتحليهم بالعلم والفضل ، مواطن عدة تذكر ذلك فصطفيت ماستحضرته الذاكرة ، قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فقرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام.

ولم أجد أحد أشدُ خشية لله تعالى على هذه اﻷرض غير العلماء فهم أهل خشيته الحقيقيون كما في قوله – تعالى -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} ، لأنهم عرفوا الله حق عرفانه ومن علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته ؛ فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه”

وكنت أظن كيفية ذهاب العلم قبيل الساعة بأن يُمحى مافي الكتب من علم أو تتطاير في السماء فلا أحد يصل إليها أو فجأة تختفي عن اﻷنظار ولكنني كنت مخطئاً ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما – قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) ، فالكتب تكون موجودة وتملأ اﻷرض ولكن بإختفاء العلماء لم تعد لها قيمة ، فلعلماء وضعوا أنفسم مواضع التكريم ونأو بأنفسم عن مواضع الريب ، فمن الكثرة بحيث يصعب إحصائهم ومن الوفرة بحيث يلتمع إستقصائهم .

ومن شر أولئك الفلاسفة الملحدين والعصاة الجبابرة الفاسدين دق الطبل الرجوج فرتجت السهول والمروج وخرت اﻷعمدة والبروج فأُذن لقلمي بالخروج ، ويأتي عار الدهر أن الفلاسفة الملحدين وأعادي اﻷمة من الكافرين يستوون في علمهم مع علماء المسلمين ، فسلقونا بألسنة شِداد حِداد فجاسوا على خراب البلاد والعباد ، لقد أرادوا أن يشغلونا عن ديننا فندهن فيكتسحون عقولنا بخميسٍ من الترهات ، وكتائب من التفاهات ، فستطاعوا أن يحدون لنا أجمل اﻷبيات ولكن هيهات أن نُسلمهم هذا الدين هيهات ، سنغيضهم لن نسمع لهم سنضعوا الكرفس في أذانِنا.

ومن أشهر بنودهم لطمس معالم هذه اﻷمة اﻹسلامية أن نتخذ وليجة من دون المؤمنين بالله تعالى نواليهم فيضلونا ، ولي هنا قول أن العلم الذي لا يصحبك بخلودك في الجنة ويبهرك بنتائجه في اﻵخرة أعلم أنه علم يراد به وجه الدنيا فقط ، إلى مته تلج أفكار الفلاسفة المنحرفة في أذهان البعض ؛ وتتزاوج مع جشيشة من الفكر الضال فيرزقون بمعتقد هزيل وضيع مضحك الهيئة يرتد عن الحسنة ويعتنق السيئة ، فلحياة ترى رأي العين يوضحها كتاب الله وسنة نبيه الكريم ، فلا حاجة لنا بعلمهم فكفنا اللهم شرهم.

ومته ياترى تضرم النار في كل الجباجب لهم فتحرقها أو تضمر أبارئهم بأحجار اﻹيمان الكريمة وتتجشم لهم بشاشت الأيمان الجليلة ، ويشتعل فتيل الهدى في قلوبهم ، ولكن الله أمهل الباطل أن يجوب العقول فلا يقاتلهُ إلا ذو عقل يهديه إلى نعمة الحق .

اظهر المزيد

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى